معالي أ.د. عبد الوهاب أبوسليمان
السبيل... عالم شاب نشأ في طاعة الله
معالي أ.د. عبد الوهاب إبراهيم أبوسليمان
عضو هيئة كبار العلماء
صحيفة عكاظ5-1-1423هـ
تشاء إرادة المولى جل وعلا أن ينتقل إلى رحمته ورضوانه العالم، الجامعي، الفقيه، الدكتور عمر بن الشيخ محمد السبيل فقد كان ملء السمع و البصر بين أهله وإخوانه وزملائه، مثال الخلق الرفيع، والتواضع الجم، خطفته يد المنون من معشر يحبونه، يرون فيه أخا كريما وعالما جليلا، وشخصية نبيهة متفتحة.
يوم الجمعة الأول من شهر المحرم عام 1423هـ يومه الأخير في هذه الدنيا، يوم الحزن عليه، هو اليوم الفاصل بين حياة مليئة بالعطاء العلمي والسلوك الفاضل، والمثالية في التعامل.
لم يكن هذا بالأمر المستغرب فيه وقد نال من عناية والده العلامة الشيخ محمد بن عبد الله بن السبيل مثله مثل إخوانه الفضلاء والأدباء من حسن الرعاية والتربية ما جعلهم نموذجا في العلم، وحسن التعامل والسلوك بين أقرانهم. رحم الله الفقيد فقيد العلم والمعرفة الدكتور عمر السبيل.
عرفه أقرانه متدثرا بالعلم، والنزاهة، وحسن السمعة، وهو من قبل هذا كسب احترام أساتذته يوم كان طالبا. احتضنته كلية الشريعة بمكة المكرمة في قسم الدراسات العليا، لمس فيه أساتذته الحرص والجد، وحسن الإصغاء، هادئ النفس، مطمئن القلب، إذا تحدث يتحدث مفيدا أو مستفيدا، مترفعا عن الحديث في غيبة الآخرين أو التعريض بهم في المجالس التي ليس لها من حديث يشغلها إلا النهش في أعراض العلماء وطلاب العلم، الأمر الذي أصبح ظاهرة سيئة في مجتمعات هي الأحرى أن تترفع عن هذه الخصلة السيئة التي ينبذها خلق الإسلام والمسلمين، توج رحلته العلمية المشرقة بأحسن ما يتوج به طالب العلم رحلة طلب العلم بأمرين:
الأول: حفظ القرآن الكريم وكان شيخ حفظه العلامة الحافظ الشيخ محمد أكبر المدرس بالمسجد الحرام حتى حصل منه على إجازة القراءة في رواية حفص عن عاصم.
الثاني: إخراجه للساحة العلمية الفقهية كتاب (ايضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) للعلامة عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد الزريراني الحنبلي المتوفي سنة 741هـ بالتحقيق والدراسة التي أهلته لدرجة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام أحد عشر بعد الأربعمائة والألف من الهجرة، وقد طبعته الجامعة تقديرا للجهد العلمي المشكور الذي بذله فيه هذه بداية فقيدنا الدكتور عمر بن محمد السبيل رحمه الله فقيد العلم والوطن.
بدأت البلاد التي صنعته على عينها تجنى ثمار ذلك الغرس الزكي، فبدأ عطاؤه العلمي مدرسا بجامعة أم القرى فكان صورة مشرفة مشرقة من علمه وسلوكه وتعامله مع طلابه في أدب وتواضع جم فأصبح فخر أساتذته، بل فخر جامعته أم القرى به رحمه الله ومثله العديد من زملائه وأنداده المتخرجين من هذه الجامعة ممن هم صياغتها وصورة لها.
كل تلك الصفات والخصائص التي تحلى بها العالم الجامعي الشاب الفقيه الحافظ الدكتور عمر السبيل رحمه الله تعالى أهلته لمناصب دينية وعلمية وإدارية رفيعة هو أهل وكفء لها برغم صغر سنه بالنسبة لمن يتشرف بالعمل فيها، وصدق من قال: (المرء بأصغريه: قلبه، ولسانه) فقد رزقه الله مع كفاءة العلمية قلبا واعيا، ولسانا صادقا، وخلقا رفيعا فحظى بشرف الإمامة والخطابة في أعظم مساجد الدنيا وأقدسها المسجد الحرام وهو شرف ديني لا يعلوه شرف منحه المولى إياه.
تسنم المناصب الأكاديمية في جامعته أم القرى مدرسا ورئيس قسم الشريعة عام 1414هـ ثم وكيلا لعمادة الكلية عام 1415-1417هـ عميدا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
لم تطل فترة عمادته حينما رأى أن الشؤون الإدارية لا تساعده على تحقيق طموحاته، ولما لم يكن إلى ما يريده من تطور ونهوض وتوسع غادر العمادة طائعا مختارا ليواصل جهوده العلمية في إيجاد كوادر علمية من أبناء هذه البلاد والوافدين إليها، وقد امتد نشاطه العلمي إلى خارج أورقة الجامعة إلى المسجد الحرام.
رحمك الله أبا أنس يوم كنت طالبا مثاليا، وأستاذا جامعيا، وعالما ورعا متواضعا، فقيها متفتحا، وإماما وخطيبا من الخطباء الفضلاء بالمسجد الحرام الأحياء منهم والأموات.
شخصية فذة في مثالية نادرة عزيزة يفتقدها عامة الناس في من بلغ درجتك العلمية، والدينية، والاجتماعية، قريب إلى القلوب، رحمك الله من عالم فقيه، حافظ متواضع، بعيد عن التكلف والتصنع.
إن الوسط العلمي الذي فجع بوفاة هذا العالم الشاب الفقيه يتوجه إلى المولى الكريم أن ينزل عليه شآبيب رحمته، ويحفه برضوانه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. لقد فجع فيك أساتذتك وزملائك كما فجع فيك والدك وأبناءك وإخوانك وأقاربك وأصدقاءك وولاة أمر البلاد، وما على الجميع إلا الصبر والاستسلام لقضاء الله وقدره ولا أدرى من المعزي ومن المعزي من هؤلاء وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجر الجميع في مصيبتهم واجعل من أبناءه خير خلف لخير سلف وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.