السيرة الذاتية
ترجمة الشيخ
د.عمر بن محمد السبيل رحمه الله
إمام وخطيب المسجد الحرام
ت 1423هـ
.
.
.
هو عمر بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيل، من آل غهيب، فخذ من قبيلة بني زيد المشهورة في نجد ، وهي من قضاعة ، وقضاعة من قحطان.
ولد – رحمه الله- في مدينة البكيرية إحدى مدن منطقة القصيم ، في رمضان من سنة 1377هـ .
نشأ – رحمه الله- في ظل أبوين صالحين وبيئة علمية صالحه ، فأبوه الشيخ محمد السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام ، وعمه الشيخ عبدالعزيز السبيل أحد علماء نجد الكبار.
نشأ –رحمه الله- في مدينة بريدة ودرس بها السنة الأولى والثانية الإبتدائية ، ثم انتقل مع والده إلى مكة المكرمة في سنة 1386هـ ، حيث عين والده الشيخ محمد السبيل إماما للمسجد الحرام ، سنة 1385هـ .
أكمل دراسته الإبتدائية في إحدى مدارس مكة المكرمة ، فلما أتمها انتقل إلى الدراسة في معهد الحرم المكي ، ليدرس المرحلة الإعدادية والثانوية ، وقد كان فيها من أجود الطلاب وأحرصهم على العلم وأكثرهم أدبا مع شيوخه، وقد أتم حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في الخامسة عشرة من عمره ، حيث تخرج من معهد الأرقم بن أبي الأرقم التابع لجماعة تحفيظ القرآن الكريم ، وكان حفظه على يد الشيخ محمد أكبر ، الذي حفظ على يديه العديد من أبناء مكة آنذاك ، وقد حصل منه إجازة في قراءة حفص بن عاصم ، وبعدها عرض القرآن على بعض القراء عدة مرات، وقد حبب إليه العلم منذ الصغر ، فكان منصرفا عما ينصرف إليه من هم في سنه عادة ، فنشأ نشأة لم تعرف له فيها صبوة ، فكان مثالا للشاب المسلم الذي في طاعة الله : أمضى الطفولة غرسا في منابتها يسقى من الآي يسقى من ربى الديم ولعل من أسباب ذلك حرص والديه عليه وعلى أخوته وتوجيههم ، وحرصه على ملازمة والده منذ صباه بالإضافة إلى تأثره بوالده وعمه الشيخ عبدالعزيز والذي كان يرى فيهما نموذجا للعالم المسلم ، وكان كثيرا ما يصحب والده إلى السمجد الحرام ، حتى تعلق قلبه ببيوت الله وبعلماء المسجد الحرام. بعد أن أتم دراسته في معهد الحرم المكي ، درس فصلا دراسيا واحدا في جامعة أم القرى ، لكنه رغب الانتقال للرياض ليطلب العلم على عدد من العلماء فيها مع دراسته في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، فكان له ذلك ، فأتم دراسته الجامعية هناك ، حتى تخرج فيها عام 1402هـ ، واختير معيدًا في الكلية في تلك السنة. ثم رغب الانتقال إلى مكة المكرمة، ليشرف بجوار بيت الله الحرام ، وليكون قريبا من والديه ، فيسر الله تعالى له ذلك فعين معيدا سنة 1403هـ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى، وظل فيها مؤديا لرسالته العلمية تدريسا ودراسةً فيها وفي المسجد الحرام على علمائه، بالإضافة إلى قيامه بالتدريس في مسجده لبعض طلاب العلم ، وقدم رسالته للماجستير والتي هي بعنوان : " أحكام الطفل اللقيط دراسة فقهية مقارنة"، وحصل على درجتها سنة 1406هـ.
وواصل تحضيره لمرحلة الدكتوراه فقدم رسالته لنيلها بتحقيقه لكتاب{ إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل للإمام عبد الرحيم بن عبدالله الزيراني الحنبلي ت: 741هـ} وحصل على درجتها في عام 1412هـ، وقد أوصت لجنة المناقشة بطبع هذا الكتاب فطبع في مركز إحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى.
واستمر في أداء عمله في الجامعة ، وقيامه بمهام الإمامة والتدريس في المسجد الحرام إلى أن توفي رحمه الله.
أعماله:
1/الإمامة والخطابة في المسجد الحرام:
حيث تشرف بالتعيين إماما وخطيبا للمسجد الحرام في شهر ربيع الأول من عام 1413هـ .
2/ التدريس :
فقد حبب إليه العلم طلبا وبذلا ، فكان يستفيد من مشايخه كثيرا ، بالإضافة إلى حرصه على دروسه العلمية في كل من : -
الجامعة: حيث ظل مدرسا فيها طيلة عشرين عاما ، مشرفا على عدد من الرسائل العلمية ، مناقشا العديد منها. -
المسجد الحرام: والذي شرع في التدريس فيه بعد تعيينه إماما للمسجد الحرام ، وكانت له حلقة بعد صلاة العصر ، واستمر في تدريسه وإفتائه للناس حتى وفاته رحمه الله. -
بعض المساجد في مكة المكرمة: وكان يطلب إليه عدد من طلاب العلم ذلك ، فإذا رأى حرصهم وافقهم على ذلك ، واستمر على هذا إلى وفاته رحمه الله .
3/الجولات الدعوية:
كانت له –رحمه الله- جولات دعوية داخلية كثيرة في عدد من مدن المملكة وقراها ، ومركزا فيها على تقرير عقيدة السلف وبيان مناهجهم الصحيحة في تعاملتهم ، وتصرفاتهم ، كما كانت له مع والده – حفظه الله- جولات خارجية كثيرة ، فقد اصطحبه في كثير من جولاته الدعوية إلى خارج المملكة، واطلع على كثير من المناشط الدعوية في تلك البلاد وعرف الكثير من الدعاة والمدارس ، ومناهحهم وأساليبهم. واستفاد كثيرا من ذلك ، ولذا فقد كان والده يعهد إليه ببعض الأمور المتعلقة بالدعوة ، كما كان يستشيره في عدد منها ، لما يعلم من معرفته بأمور الدعوة والدعاة، وما يمتلكه من علم مؤصل ورأي سديد. كما أنه استقل بعدد من الرحلات الدعوية والعلمية ،
ومن أبرزها:
الإمارات العربية المتحدة: وبالخصوص في إمارة رأس الخيمة ، حيث لبى دعوة من حاكمها الشيخ صقر القاسمي في شهر صفر من عام 1421هـ، وكانت زيارته الأولى للمنطقة وأحتفى به حاكمها كثيرا ، وكانت الزيارة حافلة بالمحاضرات والزيارات لعدد من الإمارات التي كان لها أثرا كبيرا.
وفي جمادي الثانية من عام 1422هـ لبى دعوة من مركز الشيخ/ محمد بن خالد آل نهيان وكانت حافلة كسابقتها حيث زار عددا من الإمارات وألقى العديد من المحاضرات.
اليابان: حيث لبى دعوة من أمين جمعية الوقف الإسلامي باليابان لافتتاح مسجد {أوتسكا}بطوكيو ، في عام 1420هـ حيث افتتح المسجد و ألقى فيه خطبة الجمعة، وعدد من المحاضرات بالإضافة الى لقائه بعدد من الدعاة هناك، وبعض الجالية المسلمة.
هونغ كونغ: حيث لبى دعوة من رئيس حركة ختم النبوة ، المضادة للقاديانية المنتشرة في تلك البلاد ، لحضور مؤتمرهم السنوي، والذي عقد في شوال من عام 1422هـ ، كما ألقى عدة محاضرات وعقد عدة لقاءات مع بعض الشخصيات فيها.
4/ الأعمال الإدارية:
كان – رحمه الله- كارها للأعمال والمناصب الإدارية ، ويدفعها بأشد مايستطيع ، ولكنه إذا كلف بها وفاها حقها التزاما وأداءً. وهذه الأعمال هي:
رئيسا لقسم الشريعة في عام 1414هـ.
مديرا لمركز الدراسات العليا الإسلامية المسائية عام 1415هـ.
وكيلا لكلية الشريعة عام 1415هـ. عميدا لكلية الشريعة عام 1417هـ.
بالإضافة إلى رئاسته عدد من اللجان في الجامعة ، و مشاركته في عدد منها.
مشايخه:
تتلمذ – رحمه الله – على عدد من العلماء ، ففي مكة قرأ على:
الشيخ/ محمد اكبر شاه: فقد حفظ عليه القرآن الكريم وحصل منه على إجازة في قراءة حفص عن عاصم.
الشيخ / سعيد محمد العبدالله المدرس بجامعة أم القرى سابقا: قرأ عليه القرآن قراءة تجويد وكان يتردد عليه للقراءة حتى حصل منه على إجازة بقراءة عاصم براوييه حفص وشعبة، و بقراءة ابن كثير براوييه البزي وقنبل، وبقراءة أبي جعفر برواية ابن وردان وابن جماز، وبقراءة الكسائي برواية الدوري وأبي الحارث، وصل فيها إلى الأنبياء.
عمه الشيخ العلامة/ عبدالعزيز بن عبدالله السبيل، وقد أفاد منه كثيرا .
والده سماحة الشيخ/ محمد السبيل. وقد حصل منه على إجازة في الحديث ، وفي سند المد النبوي.
الشيخ/ عبدالله الصومالي: وقد درس عليه علم الحديث.
الشيخ/ عبدالفتاح راوه المدرس بالمسجد الحرام ، والفرضي المعروف في مكة المكرمة، درس عليه علم الفرائض، وحصل منه على إجازة فيه.
الشيخ/ محمد صالح حبيب: وقد درس عليه النحو في المسجد الحرام ، وفي منزله.
هؤلاء هم أبرز من تتلمذ عليهم رحمه الله في مكة المكرمة.
وكان خلال مقامه في الرياض يلازم دروس العلماء هناك ، وقد لازم في تلك الفترة دروس عدد من العلماء منهم:
-سماحة الشيخ العلامة/ عبدالله بن محمد بن حميد – رحمه الله- رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك.
-سماحة الشيخ العلامة/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله- مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء في زمنه.
-فضيلة الشيخ العلامة/ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء.
كما درس في كلية الشريعة بالرياض على عدد من العلماء منهم: -
-الشيخ /عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ، ورئيس هيئة كبار العلماء.
-الشيخ/ صالح الأطرم رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء. -
-الشيخ د/ عبدالله الركبان ، عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
-الشيخ د/ أحمد بن سير المباركي ، عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللحنة الدائمة للإفتاء.
وقد أثرت دراسته على أولئك العلماء الأعلام في مكة المكرمة والرياض تأثيرا واضحا على تأصيله وتحصيله العلمي ، ومنهجه الفكري.
تلاميذه:
تتلمذ عليه – رحمه الله- عدد من طلاب العلم منهم:
الشيخ د/ناصر بن عبدالله الميمان ، عضو مجلس الشورى،وعضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا.
الشيخ د/ غازي بن مرشد العتيبي ، عميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى والأستاذ المشارك فيها.
د/ محي الدين سليمان إمام النيجيري’.
الشيخ د/ مشعل بن غنيم المطيري عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى ، وقد ألف كتابا في ترجمة شيخه.
الشيخ/ فيصل بن داوود المعلم ، وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى، والأستاذ المساعد فيها. الشيخ/ نصير البركاتي الشريف، مدير مدرسة في مكة .
الشيخ/محمد صديق المنصوري ، من الإمارات واحد المدرسين في أحد معاهدها العلمية.
الشيخ د/ مسلم بن ظاهر الجهني.
الشيخ د/ أحمد الفريح، عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى.
الشيخ/ صادق السويهري، عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحرم المكي.
أخوته: علي، مشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم، وعبدالملك ، وعبدالمجيد : عضوا هيئة التدريس بكلية الدراسات القضائية في جامعة ام القرى.
ابن أخته عبداللطيف بن دخيل الدخيل ، المدرس بمعهد الحرم المكي.
ابنه أنس المعيد بكلية الشريعة بجامعة أم القرى.
مؤلفاته:
- أحكام الطفل اللقيط دراسة فقهية مقارنة/ وهي رسالة الماجستير.
- دراسة وتحقيق كتاب (إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) لعبد الرحيم الزريراني الحنبلي، وهي رسالة الدكتوراه، وطبعه مركز إحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى،
و طبع طبعة ثانية في دار ابن الجوزي - من منبر الحرم المكي.
- البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية ، وهو بحث قدمه للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
- حكم الطهارة لمس القرآن الكريم، وما يتعلق بذلك من أحكام دراسة فقهية مقارنة ، وقد نشرته مجلة جامعة ام القرى.
- ترجمة مختصرة لعمه الشيخ/ عبدالعزيز السبيل.
بالإضافة إلى بعض الكتب التي لم يتمها أو التي شرع فيها.
صفاته:
تميز بصفات حسنة كثيرة ، واشتهر بين كثير ممن عرفوه بحسن الخلق،
ومن أبرز صفاته:
رجاحة العقل وسلامة الصدر: كان – رحمه الله- ذكيا عاقلا مهابا، متمتعا رحمه الله برأي سديد ونظر ثاقب ،
يقول الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام:{ كان الشيخ عمر السبيل رحمه الله رحمة واسعة من اهل الفضل والعلم ومن عقلاء الرجال}.
رأي حصيف يستضىء بهمة *** أكرم بهذا العالم الهمام
كما كان – رحمه الله – ملاحظا لأحوال الناس وتصرفاتهم ، له فيهم فراسة صادقة، ومع كل هذا إلا أنه كان سليم الصدر تجاههم لايحسد أحدا على أمر وهبه الله له، وكثيرا ما كان يثني على زملائه وأقرانه، وقبل وفاته بنحو شهر أحلَّ كل من تكلم فيه أو ظلمه، مما يدل على سلامة صدره – رحمه الله – وخلو قلبه من الحسد ، ولايخفى أن هذه الخصلة من الخصال الجليلة والتي يتنافس فيها المتنافسون،
قال د/ عبدالوهاب الطريري:{ ولايطول بك المجلس معه حتى تتهمه بأنه يطوي بين جوانحه على نفس رضية وقلب سليم، ولقد كنا نلتقي فنتحدث .. فما اذكره قرض عرض مسلم ، أو تكلف مالا يحسن..}.
صدق اللهجة والورع: فقد كان – رحمه الله- صادق اللهجة لا يقول إلا ما يعتقد ، ولا يتظاهر بما ليس فيه ،
يقول عنه د/ عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء:{ شخصية فذة في مثالية نادرة.. عالم فقيه حافظ متواضع بعيد عن التكلف والتصنع}.
ومال للدين عن دنيا وزخرفها*** كالسيف دل على تأثيره الأثر
وكان يتهم نفسه بالقصور والتقصير ، إن استشير أشار بالخير والنصح ، كما كان رحمه الله شديد الورع والزهد عما في أيدي الناس ، ولم يكن رحمه الله متكالبا على الدنيا.
فكأنه حقق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:" ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد في أيدي الناس يحبك الناس".
وربما أعطى الناس أكثر من حقوقهم المالية ورعا منه رحمه الله.
التواضع والأدب:
وقد أثنى عليه بذلك جل من تكلم عنه ، وقد لازمه منذ صغره ، فقد ربي عليه فتربى ومن ذلك أنه عندما تم اختباره في حفظ نصف القرآن الكريم واجتازه وأعطي جائزة مقدارها ألف ريال ، قام عند تسلمها له بتسليمها إلى شيخه عرفانا له بالجميل.
تواضعت فاستعليت عزا ورفعة*** وسابقت في عليا المنازل أنجما.
كما كان شديد الاحترام لطلاب العلم ، متواضعا لهم ولمشايخه على الخصوص ملتزما الأدب معهم ، بل ومن يكبرونه سنا من طلاب العلم، فينزلهم منازلهم ويكرمهم ويتلطف معهم، وربما طرح السؤال على بعض الحاضرين وهو منهم فيحجم عن الجواب إذ رأى من هو أولى منه بالجواب قد اعتذر لعدم علمه، توقيرا له ، يقول عنه فضيلة د/ عبدالله الدميجي عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى: { كان رحمه الله غزير العلم ، جم التواضع ، سليم القلب}.. كما كان بعيدا عن التصدر كارها للمناصب ، فلذا لم تزده إلا تواضعا ، يقول فضيلة د/ عبدالله الدميجي عميد كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى:{ كان عمر الطالب هو عمر الأستاذ هو عمر العميد لأعرق كلية في المملكة هو عمر إمام وخطيب السجد الحرام ، لم تغيره الألقاب ، ولم تؤثر فيه المناصب ، وهذه هو ديدن العلماء}.
الصبر والتؤدة وحفظ اللسان: كان –رحمه الله – متجملا بالصبر معرضا عن الجاهلين ، عاقلا في منطقه مهذبا في رده حافظا للسانه، معرضا عن الغيبة ، يذكر المحاسن ويدفن المساوىء، وربما علم عن أشخاص أمورا لاتليق ، فيظهر لهم ان لاعلم عنده من حالهم صيانة لوقارهم، وصفه فضيلة د/ عبدالوهاب ابو سليمان بانه:{ هادىء النفس مطمئن القلب إذا تحدث يتحدث مفيدا ، أو مستفيدا، مترفعا عن الحديث في غيبة الآخرين ، أو التعريض بهم في المجالس }... ويقول فصيلة د/ عبدالله الدميجي:{ قليل الكلام إلا فيما ينفع}. كما كان – رحمه الله – منتقيا لألفاظه لايكاد يندم على كلمة قالها ، يُعينه في ذلك عدم رغبته في كثرة الحديث والتصدر.
فتى الكهول سليم في مقاصده*** مستيقظ الفكر راقي الحس والقلم
فراسته:
كان قليل الكلام صامتا تأمل وتفكر، لاصمت غافل ساه، إذا جلس مع أحد تفرس فيه وسمع منه ليعرف عقله وعلمه، وربما تكلم الحاضرون وهو يتفرس فيهم مستفيدا من أدب المتأدب ، ومن وقار العالم ومنطقه. هذه بعض صفاته الخلقية وإلا فهي كثيرة وجليلة.
كان – رحمه الله- شغوفا بالعلم مرتبطا به ، حريصا عليه ، ومع تمتعه بما وهبه الله من حافظة جيدة ، إلا أن القلم لا يفارق جيبه يقيد به كل شاردة ، ويحفظ به كل وارده. حفظ عددا من المتون العلمية في الفنون المتعددة ، ليس صاحب فن بل فنون ، فهو متمكن في الفقه، وفي النحو، وفي الأدب ، والتاريخ وغير ذلك من العلوم ،
فأما الفقه فقد كان – رحمه الله- فقيها مبرزا يقول الشيخ/ محمد بن ناصر العجمي { فهو الفقيه المتمكن في مذهب الإمام احمد بن حنبل العارف بكتبه ورجاله، كما يعرف أحدنا أهل بلدته وأقربائه}..
وقال فضيلة الشيخ د/ عبدالرحمن السديس إمام المسجد الحرام:{ فقدنا أخا عزيزا وعالما فقيها}.
وأما علم التاريخ والأنساب ، فكان مشهورا بين من يعرفه بذلك فيحفظ غير متكلف تواريخ الحوادث الكثيرة، الخاصة والعامة ، وكان ملما بالأحداث التاريخية عموما وتاريخ نجد خصوصا، لديه علم كبير برجال ذاك الزمان ، وما بعده وبالأخص علماءه.
يقول الشيخ/ محمد العجمي:{أما معرفته بتراجم علماء نجد المتأخرين وأخبارهم فهذا يكاد يكون اختصاصه ، كما أنك تجد عنده أخبار بعض العلماء الوافدين على مكة}.
عارفا بالقبائل وأصولها ومرجعها ، يسأل أهل المعرفة بذلك وربما سأل عدة أشخاص من قبيلة واحدة ليثبت من الصواب في ذلك.
كما كان – رحمه الله- قارنا ناقدا ، وكاتبا صادقا، فلا يقول إلا مايعرفه حقا وإن كان المقربين منه ، لذا فكان إذا زكى أحدا لم يكتب له إلا مايعرفه عنه ، وربما شعر القارىء المتنبه إلى مايقصده من ألفاظه المنتقاة.
وأما خطبه:
فقد كانت مدعمة بالنصوص الشرعية، ومتميزة بالهدوء والمعالجة الحسنة، متوسط الرأي، واقعي الطرح ، سهل الأسلوب ، ملتزما بمنهج العلماء الراسخين ، يقول مايعتقد ، ويفعل مايجب، يعالج المشكلات الإجتماعية ، والمخالفات الشرعية برفق ولين ، مبتعدا عن العنف والتشهير، يوصل الحق ويفهمه السامعين دون تجريح ، خطبه موجزة الألفاظ ، بعيدة عن التكلف، يفهمها العامي ، ولايملُّها العالم.
خطب تناثر كالالىء ثرة*** لله در الفارس الضرغام
وفاته:
بعد أن أدى مناسك الحج من عام 1422هـ ، ذهب إلى القصيم ثم قفل راجعا بسيارته إلى مكة في يوم السبت الموافق 18/12/1422هـ مع عائلته وقرب رضوان ، انقلبت سيارته عدة مرات ، فأصيب رحمه الله في رأسه نتج عن ذلك نزيف في المخ ، وبقى بعد الحادث قريبا من نصف ساعة وهو يتشهد ، ويحمد الله ويذكره حتى دخل في غيبوبة استمرت أسبوعين كاملين ، رقد خلالها في مستشفى القوات المسلحة بالهدا ، وقد فجع الناس بهذا النبأ وكانت اتصالات الناس مستمرة، وحضورهم لايكف ، والدعاء له مبذول وموصول من عديد من الناس في كثير من الأقطار ، حتى دعا له عدد من المحبين على المنابر يوم الجمعة.
ظللت بها حيران حينا إلى الرجا ***** أقاد وأحيانا إلى اليأس مرغما
أصبت فكان القلب من خوفه الردى ***** ضجيعك في قسم العناية نوما
وكنت إذا عين الخلائق هومت ***** وآوت إلى جنب من العيش أهضما
دعوت إله الناس أن يكشف الذي ***** أصابك من داءٍ أضر و آلما
وفي غرة العام الهجري الجديد ، وفي عصر يوم الجمعة الأول من شهر الله المحرم من عام 1423هـ ، حل الأجل مكان الأمل ، فانطفأ السراج ، وارتقت الروح إلى بارئها ، وخيم الحزن ، ولهج الناس بالدعاء له بالرحمة والمغفرة ، ونعاه الديوان الملكي ، وصلى عليه في المسجد الحرام بعد عصر يوم السبت الموافق 2/1/1423هـ.
وقد صلى عليه والده الشيخ/ محمد السبيل ، وحضر جنازته خلق كبير تموج بهم ساحة الحرم، ومقبرة العدل التي دفن في تربتها.
بكاك الكل في {عدل} ***** دفنت بها أيا عمر وحف النعش محمولا
بحشد شابه الكدر بآلاف مؤلفة ***** تسير كأنها البحر.
وبوفاته طويت صفحة من صفحات عالم شاب تطلع الناس إليه ، وأملوا فيه، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
عزاؤنا فيه ما أبقاه من عبق لسيرة يتمنى مثلها البشر وقد رؤيت له – رحمه الله- منامات كثيرة حسنة ، حتى أن بعضهم رآه قبل وفاته بيوم وهو جليس لشيخه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله- والذي توفي في شهر محرم من عام 1420هـ.
خلف – رحمه الله – من الذكور أربعة أبناء هم :
أنس – ومحمد- وعبدالله- وعبدالعزيز ، وقد ولدت له ابنه قبل وفاته بعشرة أيام – رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته.
وكتبه عبدالملك بن محمد السبيل
عضو هيئة التدريس بكلية الدراسات القضائية والأنظمة
بجامعة أم القرى