الشيخ محمد العجمي
السيرة العطرة
الشيخ محمد بن ناصر العجمي
كنت أسمع بأخي الشيخ عمر السبيل وأراه عن بعد ، ولما تولى امامة المسجد الحرام سنة 1413هـ لقيته بعدها ثم انعقدت الصداقة والأخوة بيني وبينه فوجدته آية في الفضل واللطف والتواضع ورقة الحاشية وكمال الأدب والذوق كما رأيته متمسكا من التقوى بالسبب الأقوى ، صديقًا صادقا وخليلا وفيًا موافقا , كله هذا وغيره من الفضائل مضافا إلى علمه ومعرفته، وقد أكرمني وشرفني بالزيارة في الكويت في آخر صفر سنة 1416هـ ولقي فيها شيخنا العلامة محمد بن سليمان الجراح الحنبلي رحمه الله.
وفي خلال هذي السنين القليلة عرفت فيها عن قرب أخي الشيخ عمر السبيل فرأيت فيه صفات العالم الأديب الذي يسعد الإنسان بمعرفته والقرب منه فهو الفقيه المتمكن في مذهب الإمام أحمد بن حنبل العارف بكتبه ورجاله كما يعرف أحدنا أهل بلدته وأقاربه ؛ أما معرفته بتراجم علماء نجد المتأخرين وأخبارهم فهذا يكاد يكون من اختصاصه ؛كما أنك تجد عنده أخبار بعض العلماء الوافدين على مكة ، وقد أخبرني ورأيته أكثر من مرة يقيد الفوائد فحينما لقي شيخنا الجراح كتب ما سمعه منه ، وكذا لما جدد بناء الكعبة المشرفة رأيته يقيد ذلك ؛ فسألته فقال لي : إني كتبت أخبار هذا التجديد يومًا بيوم ، وبالجملة فإن أخي الشيخ عمر كان نموذجًا للعالم الدؤوب الذي يعمل بصمت وهدوء ؛ ولا غرو فقد أخذ العلم من منابعه الأصلية حيث أخذ عن والده العالم الجليل الشيخ محمد السبيل العلم والتوجيه ، كما حفظ القران الكريم في المسجد الحرام ، وقرأ على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ الفقيه العلامة عبدالله بن حميد ، والشيخ عبدالله بن غديان ، وعلم الفرائض على الشيخ عبدالفتاح راوه المكي ، وأخذ طرفًا كبيرًا في القراءات عن الشيخ سعيد العبدالله الحموي نزيل مكة المكرمة، وقرأ صحيح البخاري قراءة درس وعلم على الشيخ عبدالله الصومالي المكي أحد المتبحرين في علم الحديث.
أما دراسة الأكاديمية فقد حصل على الشهادة الجامعية من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض؛ والماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة وقد كانت بعنوان : ( أحكام الطفل اللقيط في الفقه الإسلامي) وأما رسالة الدكتوراه فهي تحقيق ودراسة لكتاب ( إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل) لعبدالرحيم الزريراني الحنبلي المتوفى سنة (741هـ) من جامعة أم القرى أيضًا.
ولما قدر الله وعلمت بحادث السير الذي تعرض له ودخل على إثره العناية المركزة حزنت عليه أشد الحزن ولم تكف الأكف عن الدعاء له، ولكن قضاء الله وقدره نافذ ولا راد له، ثم لما سمعت الخبر بهذا المصاب العظيم والرزء الجسيم في غرة شهر الله الحرام سنة ١٤٢٣هـ نزل بي ما الله به عليم، ولم يسعفني الوقت للصلاة عليه في المسجد الحرام ولكن أدركت جنازته في المقبرة، ومكثت برهة أتذكر فقدنا لتلك الفضائل من الأخلاق الطاهرة، والمزايا والآداب الباهرة التي كان يتحلى بها أخي الشيخ عمر وما لقيته منه من المودة الأكيدة، والصحبة الحميدة التي قلّت في هذا الزمان :
كفى حزنــاً أني أمر بقبره فأمضي وقلبـي بالأسى متكسر
اللهم إنا لا نقول إلا ما يرضي الرب، ولكن العين تدمع والقلب يحزن، وإنا بفراقك يا أبا أنس لمحزونون، فـ (إنا لله وإنا إليه راجون)